أنقذوا اللهجات الکوردية، الفيلية نموذجا! - فهمي کاکه‌يي


[31-07-2006]

اللغة تولد و طالما تستخدم فهي تعيش، لکن اللغة و خاصة اللغات الصغيرة معرضة للموت أيضا، فإذا کان هذا حال اللغات فکيف يکون الحال مع اللهجات؟ اللهجات أکثر تعرضا للموت و خصوصا اللهجات المحلية الصغيرة التي لا تعتبر لغة رسمية و بالتالي فهي ليست لغة المدرسة و المؤسسات و الإعلام.

تولد اللغات الجديدة من بطن لغة أخری نستطيع أن نسميها (اللغة الأم)، و للتوضيح فاللغات السويدية و النرويجية و الدنمارکية و الآيسلندية و الفيرية(1) هي لغات ولدت من بطن لغة واحدة و هي الشمالية القديمة أو الجرمانية الشمالية، و بولادة هذ‌ اللغات ولدت قوميات جديدة، فکل لغة من هذه اللغات مملوکة من قبل قومية مستقلة. إن هذا إنذار خطير لنا نحن الکورد حيث إن هناك خطر إنفراط القومية الکوردية مستقبلا إلی قوميات عديدة إذا لم نقم بإقرار و إستعمال لغة موحدة رسمية تکون لغة الدراسة و الأدب و الحکومة بمؤسساتها و دوائرها و إعلامها الرسمي و المستقل، لکن اللغة الموحدة ليس موضوع بحثنا هذا.

اللغة کما أشرنا سابقا تموت، و ذلك عندما تطغي عليها لغة أخری قوية و بذلك يقل إستعمالها من قبل الناس و بموت آخر إنسان يتکلمها تموت تلك اللغة أيضا، و کمثال علی ذلك:

اللغة الکورنية کانت تستعمل من قبل سکان منطقة (کورن وال) في جنوب إنگلتره‌، لکن اللغة الإنگليزية ضيقت عليها الخناق فترك الناس التکلم بها و بدؤا بإستعمال الإنگليزية لکي يتمکنوا من التواصل مع جميع سکان إنگلتره‌. آخر من تکلمت هذه اللغة کانت إمرأة مسنة بإسم (دوللي پينترايث)، و قد ماتت يوم 22 من شهر ديسمبر 1777 عن عمر يناهز 102 عاما و بموتها ماتت اللغة الکورنية.(2)

إنه من الصعب تحديد عدد اللغات في العالم (العدد التقريبي هو ستة آلاف لغة)، و السبب يعود إلی الإجابة علی السوآل التالي و الذي يبدو سهلا: ما هو الفرق بين اللغة و اللهجة؟ و لکي لا ندخل في التفاصيل نقول بأن لهجات اللغة الواحدة هي أشکال أو بدائل مختلفة يتکلم بها الناس من الذين تجمعهم لغة واحدة، فأهل البصرة مثلا يتکلمون بشکل يختلف بعض الشئ مع أهل الموصل أو اللهجة الشامية تختلف عن اللهجة المصرية أو البغدادية و بهذا نستطيع أن نقول بأن هناك المئات من اللهجات العربية، هذه ليست مشکلة بتاتا بالنسبة إلی العرب فهم تفرقهم اللهجات لکي تجمعهم لغة القرآن و هي اللغة العربية الفصحی، إذن هناك لغة مشترکة للتفاهم، لکن کيف الحال مع اللغة الکوردية؟

هناك تقسيمات و تصنيفات لغوية و جغرافية عديدة للهجات اللغة الکوردية، نعتمد في هذه المقالة علی التقسيم الذي أورده آية الله الشيخ محمد مردوخ الکوردستاني في کتابه تاريخ کرد و کردستان(3)، و هو کالآتي:

1. الکرمانجية
2. الگورانية
3. اللرية
4. الکلهرية

هذا التقسيم يطابق ما ذهب إليه المؤرخ الکوردي مير شرفخان البدليسي (1543 ـ 1603م)، (4)
التقسيمات أعلاه تصنف اللهجات الکوردية في أربعة مجاميع کما هو مبين، فعلی سبيل المثال تنقسم المجموعة الکرمانجية الی: الکرمانجية الشمالية و الکرمانجية الجنوبية، و الشمالية تضم لهجات فرعية متعددة، کما هو الحال مع الجنوبية، و هذا ينطبق علی المجاميع الأخری.

من الجدير بالذکر إنه في أغلب الإحيان يتعرض الفرد الکوردي إلی مشکلة التفاهم باللهجات المختلفة، و إتقان کل اللهجات الکوردية أمر من قبيل المستحيل، لکن تعلم اللهجات الکبيرة ليس أمرا صعبا إذا ما توفرت العوامل الموضوعية و الذاتية لدی الفرد، و غالبا ما نری بأن الکورد الذين يتقنون لهجات کوردية کثيرة هم من الذين يتکلمون أساسا بلهجة صغيرة (کلغة الأم). إن هذه المقالة المتواضعة لا تسع للدخول في خصوصيات اللهجات الکوردية، لکنني أستطيع أن أقول إنه مع الصعوبة بمكان التفاهم بين ناطقي اللهجة الهورامية کمثال و ناطقي الکرمانجية سواء کانت الشمالية أو الجنوبية إذا تکلم کل لهجته، مع هذا يبقی الإنتماء القومي واحدا، هذا ما يشعر به الناطقين باللهجات الکوردية علی أية حال.

لکن کيف نستطيع أن نجمع بين إدعاءاتنا في السعي إلی توحيد اللغة الکوردية من جهة و الإهتمام باللهجات المختلفة من جهة أخری، هل ندع اللهجات الکبيرة أو قل واحدة منها تطغي و تسيطر علی اللهجات الصغيرة فتموت هذه الأخيرة لکي تدفن في مقبرة اللغات؟ الجواب: کلا بالعکس تماما، فاللهجات تعتبر روافد لللغة الرسمية و خصوصا اللغة الکوردية التي تمر بفترة عصيبة (لا ندخل في تفاصيلها). حسنا، هل نهتم باللهجات الصغيرة قدر إهتمامنا باللهجات الکبيرة؟ هل ندع أطفالنا يدرسون هذه اللهجات لتتحول مستقبلا إلی لغات مستقلة؟ نحن الذين لا نملك کتابا مقدسا للغالبية المطلقة لنجعل لغته لغة رسمية؟

إن وجود کتاب ديني مقدس بلغة القوم يعتبر أمرا هاما جدا لتوحيد اللغة، کما هو الحال بالنسبة إلی اللغة العربية. قس علی ذلك فالکرمانجية الشمالية فضلا عن أنها لهجة الغالبية العظمی من الکورد، إلا أنه حتی لو لم تکن کذلك فإن حظها في الديمومة أكثر بکثير من اللهجات الأخری و السبب يرجع إلی أن الکتب المقدسة للإيزيديين مکتوبة بهذه اللهجة، و الحال هو کذلك مع لهجة (ماچو) و التي هي لهجة فرعية من‌ لهجة الگوران الکوردية، حيث أن هذه اللهجة هي لغة الکتب المقدسة لدی الکاکائيين و بها يؤدون طقوسهم و مراسمهم الدينية و هذا سبب مهم لديمومة اللهجة، يقابلها لهجة (الزنگنة) و التي هي قريبة من لهجة الماچو، لکن بما أن المتکلمين بهذه الأخيرة هم مسلمون فقد ترکوها شيئا فشيئا و بدؤا بإستعمال الکرمانجية الجنوبية بدلا منها، فاليوم لا تصادف إلا المسنين من عشيرة الزنگنة الذين يتکلمون بهذه اللهجة. مع ذلك فالخطر هنا ليس کبيرا لأن هناك لهجات أخری قريبة من لهجة الزنگنة و تملك أسباب البقاء و الديمومة، منها: الهورامية، ماچو، الباجلانية، الشيخانية، الشبکية الکوردية و غيرها من مجموعة الگورانية.

أين الخطر؟
هناك مخاطرعلی العديد من اللهجات الکوردية و التي قد تؤدي مستقبلا إلی إنقراضها، أکثر هذه اللهجات تعرضا للإنقراض في المستقبل هي اللهجة التي يتکلم بها الإخوة من الکورد الفيليين (نقصد حصرا الکورد الفيليين من العراق)، و التي‌ تندرج تحت المجموعة الثالثة أعلاه و هي اللورية. المخاطر أو أسباب الإنقراض المستقبلي لهذه اللهجة هي:

1. إنه و بحکم الإحتکاك المباشرلهذه الشريحة بالقومية العربية کون الغالبية منهم يعيشون خارج إقليم کوردستان، يجعل منهم إكثر الکورد تعرضا للوقوع تحت تأثير اللغة و بالتالي الثقافة العربية علی حساب اللغة و الثقافة الکوردية. حيث أن لغة المدرسة هي عربية، کذلك لغة السوق و المحلة و لغة الإعلام و الدوائر و المؤسسات الحکومية، کل هذا يجعل من هذه الشريحة أن لا تولي أ‌همية کبيرة للغة الأم بإعتبارها لغة غير رسمية، مما يؤدي إلی تحولهم شيئا فشیئا إلی لغة الحاکم أو الحکومة التي تطغي علی لهجتهم و علی کل المستويات.

2. الإنتماء المذهبي لهذه الشريحة و الذي يختلف عن الإنتماء المذهبي للغالبية الکوردية له تأثير حتی إن کان ضعيفا علی الحس القومي، و ضعف الحس القومي يؤدي بالتالي إلی ضعف الإهتمام باللغة القومية.

3. إن ترك التکلم باللهجة الفيلية أکثر خطورة من ترك التکلم باللهجات الصغيرة الأخری المستعملة في کوردستان، ذلك لأن المتکلمين باللهجات الأخيرة سوف يتحولون إلی التکلم بلهجة کوردية أخری و غالبا ما تکون اللغة الکوردية الرسمية، بينما في حالة ترك التکلم باللهجة الفيلية و بحکم کون المتکلمين بها يسکنون خارج المنطقة الکوردية فإنهم بدو شك سوف يتحولون إلی التکلم باللغة العربية.

4. التمييز و الإحساس بالغبن الذين قد يشعر بهما مجموعة من المنتمين إلی هذه الشريحة و عدم إهتمام المسؤولين الکورد بهم بما فيه الکفاية، يؤدي إلی ضعف الحس القومي.

5. السکن في المدن الکبری و بالذات بغداد و عدم وجود ريف کوردي کرافد لهذه اللهجة.

6. الشعور باللاإنتماء، نتيجة لعدم قبولهم کمواطنين عراقيين و طردهم من العراق بتهمة التبعية الإيرانية و عدم قبولهم في ‌إيران بتهمة التبعية العراقية، الذي بدوره يؤدي إلی عدم الإستقرار و التعرض لطغيان لغات أجنبية مما يؤدي إلی إضعاف لغة الأم.

7. هجرة الکثيرين منهم نتيجة الإضطهاد القومي و الطائفي إلی بلدان العالم و إنتشارهم فيها بدءا من أستراليا و إنتهاءا بأمريکا و تمرکزهم في أوربا، يؤدي إلی وقوع أطفالهم تحت تأثير لغات و ثقافات أجنبية مختلفة مما يکون سببا في التقليل من إستعمال لغة الأم و بالتالي ترکها بعد جيلين أو أکثر.

8. الشعور بخيبة الأمل التي تنتاب الکثيرين منهم نتيجة عدم الوفاء بالوعود التي تعطيها لهم الإدارة و المؤسسات الکوردية.

9. عدم وجود برامج إذاعية و تلفزيونية بهذه اللهجة يجعلهم يحسون بعدم إکتراث الآخرين بهم و خصوصا حکومة إقليم کوردستان.

10. عدم وجود المجلات و کتب الأطفال و القصص و حتی المقالات بهذه اللهجة و التي إن وجدت لعملت علی تقوية و ترسيخ الشخصية و الثقة بالنفس و الإحساس بالإنتماء القومي لدی أفراد هذه الشريحة و التي بأجمعها تؤدي خدمات کبيرة للهجة هذه الشريحة.

إن قسما کبيرا من النقاط الواردة أعلاه يمکن العمل علی إيجاد حلول منطقية لها بغية التقليل من الأخطار المستقبلية المحدقة باللهجة الفيلية، و لعل تفعيل توصيات مؤتمر أربيل للکورد الفيليين الذي أقيم برعاية السيد مسعود البارزاني رئيس الإقليم، هي خطوة جيدة و هامة في هذا الطريق.


الهوامش و المصادر:


1. الفيرية، نسبة إلی سکان جزر (فير) التي تقع بين النرويج و آيسلنده‌. اللغة الرسمية لهذه الجزر هي الفيرية و الدنمارکية، عدد السکان: 48344، أنظر باللغة السويدية:
http://sv.wikipedia.org/wiki/F%C3%A4r%C3%B6arna
2. Språk, vad är det, Millan Bily & Gertrud Malmberg, Almqvist & Wiksell, Printed in Sweden by Gummessons tryckeri, Falköping 1996, sidan 19

3. تاريخ کرد و کردستان و توابع (بالفارسية) الصفحة 41، تأليف شيخ محمد مردوخ کردستاني، جلد 1 و2، ناشر کتابفروشی غريقی ـ سنندج