ألا تنتهي معاناة الكُرد الفيلية رغم سقوط نظام السياسات الفاشية والشوفينية في العراق؟

كاظم حبيب

كانت الفرحة هائلة والسعادة غير محدودة , تلك التي عمَّت صفوف الجماهير الواسعة التي هُجِّرت قسراً من العراق إلى إيران على مدى فتر غير قصيرة والتي بدأت قبل وأثناء الحرب العراقية – الإيرانية , حين شهدت كيف يتهاوى نظام العنصرية والشوفينية والسياسات الفاشية التي عمت البلاد وشملت الكُرد الفيلية وعرب الجنوب والوسط , إضافة إلى أعضاء ومؤازري ومؤيدي الأحزاب السياسية الوطنية العراقية. ولم تكن الفرحة عبثية , بل كانت محملة بثقة عالية وأمل واقعي بأن ساعة العودة إلى الوطن قد حانت بعد غياب دام ما يقرب من ربع قرن وأن ترفع عنهم كل المظالم التي نزلت بهم خلال أعوام عجاف عاشها الشعب العراق بأغلب سكانه. وهكذا بدأت جمهرة من العائلات تعود إلى الوطن وتحاول استعادة حقوقها المشروعة , وبعضها الآخر بقى هناك ينتظر الاستدعاء! ولكن بماذا اصطدم هؤلاء جميعاً , هؤلاء الذين هجروا قسراً والذين عادوا أو الذين ينتظرون العودة؟ لقد اصطدموا بجدار أصم , بحالة غريبة غير متصورة لم يحلموا بها بأي حال. لقد اصطدموا بعقبات وعوائق لا مثيل لها ولا يمكن تصورها في دولة غاب عنها الدكتاتور. التقوا بمسئولين وعدوهم خيراً , ولا خير في ما وعدوا!

فقدت عشرات ألوف العائلات الكردية والعربية المهجرة فلذات أكبادها , كانوا شباباً شجعاناً ولكنهم خُتِموا جوراً وبهتاناً وظلماً وعدواناً بالعداء للعراق واحتمال خدمة النظام الإيراني في فترة الحرب العراقية- الإيرانية , وكان الموت نصيبهم والقبور الجماعية مكانهم. أما عشرات ألوف العائلات فقد سفروا ولا يحملون سوى الملابس التي عليهم وفقدوا كل ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة , فقدوا الحلي الذهبية والنقود حساباتهم المصرفية , فقدوا الدور والأثاث ومحلات العمل , فقدوا كل شيء دون استثناء إلا حياة من وصل الحدود منهم وعبرها من خلال حقول الألغام على امتداد الطرق التي ساروا عليها للوصول إلى داخل الحدود الإيرانية.

وفي إيران استقبل البعض في البداية بالترحاب وعبر الصحافة , ولكن سرعان ما انصب عليهم غضب المعسكرات التي أنزلوا فيها , فمن استطاع أن يهرب بعضاً من أمواله أو حليه سلبت منه أيضاً وعومل الكثير منهم معاملة قاسية من قبل الحرس الثوري الذي كان مسئولاً عن هؤلاء أو غيرهم في تلك المخيمات.

وألان استقبلوا في العراق استقبالاً ليس بارداً حسب , رغم كلمات الترحيب في الصحافة والإعلام العام , بل في حقيقة الأمر أكثر سوءاً من برودة الاستقبال. لا بيوت ولا مساعدات ولا تعويضات ولا هوية ولا جنسية ولا هم يحزنون. هل هكذا يفترض أن يعامل النظام العراقي الحالي هؤلاء الناس الأخيار؟ إنهم في حيرة من أمرهم ولكنهم يلاحظون أموراً عجيبة وغريبة لا يمكن أن تمارس إلا ممن لم يتخلص من سياسات النظام السابق , إلا من كان ما يزال يعتقد بأن الكُرد الفيلية ليسوا عراقيين أصليين , ليسوا من أصل هذا الوطن الحزين والمبتلى.

ماذا يريد هؤلاء المواطنون والمواطنات الكرديات الفيليات العراقيات؟
إنهم لا يريدون غير ما يلي :
• إلغاء القرار أو القانون الهمجي الذي أصدره صدام حسين ضد الكُرد الفيلية وضد بقية الذين هجروا قسرا واعتبروا ظلماً وبهتاناً تبعية إيرانية
• استعادة جنسيتهم التي أسقطها عنهم النظام الدكتاتوري السابق دون وجه حق وبالضد حتى من ذلك الدستور المشوه الذي ساد في زمن الدكتاتورية وإصدار هويات الأحوال المدنية العراقية.
• استعادة حقوقهم كاملة غير منقوصة التي فقدوها بسبب إسقاط الجنسية ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
• استعادة بيوتهم ومحلات عملهم وقيام الدولة بترتيب هذا الأمر , لأن الدولة الراهنة تتحمل تبعات كل عمل الحكومة إزاء شعبها وتصحيح الأمور المعوجة.
• دفع تعويضات للعائلات التي فقدت شهداء لها قتلوا من قبل أجهزة النظام الدموي واعتبارهم شهداء قتلوا ظلماً وعدواناً.
• رفض أي تمييز بحقهم في العمل أو التوظيف أو الدراسة أو ما إلى ذلك.
• ورغم كونهم جزءاً من الأمة الكردية والشعب الكردي في العراق, فإنهم يشكلون جزءاً من الشعب العراقي وقوة اجتماعية متميزة تعيش في مناطق عربية أو كردستانية لها الحق في تنظيم نفسها بالصيغ التي تراها مناسبة لمصالحها وهي مصالح لا تتعارض بأي حال مع مصالح الشعب العراقي كله.

فهل في هذه المطالب وغيرها مما يطالب به الكُرد الفيلية ما يتعارض مع حقوق الإنسان ومع حقوق المواطنة ومع حقوق الذي تعرضوا للظلم والإرهاب والقتل العمد؟ لا أرى ذلك أبداً , بل هي تنسجم تماماً مع كل ذلك وعليه أتمنى على رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس النواب وكل القوى والأحزاب السياسية الوطنية أن تبادر إلى دعم وتنفيذ مطالب الكُرد الفيلية وتنظيم حملة تضامن مع هذه المطالب.

للكُرد الفيلية حق ثابت على كل المواطنات والمواطنين في العراق , حق التضامن معهم لاستعادة كل حقوقهم , فهم من ساهم في بناء العراق في العهود السابقة , وهم من ساهم في تكوين الدخل القومي , وهم من يريد أن يساهم اليوم في ذلك وفي غيره وعلينا أن نعملمن أجل ذلك.

19/1/2008 كاظم حبيب  

Back