الكورد الفيليون لن يتخلوا عن هويتهم  


علي الاركوازي

 

(صدام كان عادلا في توزيع الظلم) عبارة يرددها كثير من العراقيين كلما جرى الحديث عن الظلم الذي وقع على الشيعة وعلى الكورد ولكن وبنظرة محايدة لما جرى في العراق وبعد ان يتجرد المرء من العصبية القومية والعنصرية يجد ان هذه العبارة غير صحيحة او غير دقيقة وخير دليل على صدق ما نقول هو الظلم الذي وقع على الكورد عامة والفيليين منهم بصورة خاصة لان ما وقع عليهم لا يمكن وصفه بالظلم بل الوصف الوحيد والمنطقي له هي (الأبادة الجماعية).

 

نحن لا ننكر بأن ظلم صدام نال بعض الشرفاء من ابناء المناطق السنية عندما اعدم عدداً من الضباط وشيوخ العشائر ورجال الدين ومع فائق احترامنا وتقديرنا لهؤلاء الشهداء الا إننا لا نستطيع ان نمنح صدام صفة العدالة (في توزيع الظلم) لمجرد قتل هؤلاء فما نسبتهم إلى عدد سكان تلك المناطق وحتى الظلم الذي لحق باخوتنا الشيعة في الجنوب لا يمكن مقارنته بما لحق بالكورد.

 

 إننا لسنا في صدد تعداد للقتلى والشهداء من العرب ومقارنتها باعداد القتلى والشهداء من الكورد وعلى ضوئها نحدد عدالة صدام في توزيع الظلم لأننا نعلم بأن من قتل نفسا بدون حق فكأنما قتل الناس جميعا ولكننا نحاول توضيح بعض الحقائق التي قد تكون غائبة عند البعض ممن يريدون ان يحصلوا على مكاسب وادوار في العراق الجديد بحجة عدالة صدام في توزيع الظلم أو محاولة البعض التنصل من الجرائم التي ارتكبت والتي شاركوا فيها بصورة أو بأخرى تارة عندما مارسوها وسكوتهم عنها (تارات) أخرى. انني هنا أحاول ان القي الضوء على ما جرى بحق اخوتي الكورد الفيليين مع اعترافي بأنني مهما حاولت ان اصف ومها حاولت ان أبين ومهما حاولت ان اشرح فلن أستطيع وصف وتبيان وشرح واحد من مليون من المآسي والمحن من الذي جرى عليهم، وهم وبكل انصاف اكثر المتضررين من صدام وزمرة صدام وان الظلم الذي وقع عليهم كان مزدوجا فمن جهة تعرضوا للظلم والقتل والتسفير والتعريب والتنكيل لانهم كورد ومن جهة اخرى كونهم شيعة ودفعوا اثمانا باهظة لتمسكهم بقوميتهم الكوردية وبمذهبهم الجعفري. ان الهجمة الشوفينية على الفيليين بدأت في بدايات السبعينيات ولكنها بلغت أقصى درجاتها بعد وصول صدام الى سدة الحكم ولاسباب عديدة بعضها معروفة وبعضها ما زالت غامضة.

 

 والحملة بدأت بتسفير عشرات الالاف منهم بحجة الاصول الايرانية مع أن آباء غالبيتهم ولدوا على ارض الرافدين قبل ان تكون دولة اسمها العراق وتمت التسفيرات بعد ان استولى البعث واجهزته القمعية على أموالهم وبيوتهم ومحلاتهم التجارية ومصادرة ارصدتهم المالية في البنوك ورموا بهم على الحدود العراقية الايرانية في جريمة قل نظيرها في الانسانية وعلى مرأى ومسمع العالم وبدأت معها رحلة جديدة في ايران لا تقل بشاعة وفظاعة عن ما شاهدوه في العراق، أما اكثر اجزاء هذه المأساة دموية فكان احتجاز زمرة البعث لخيرة شبابهم وشباب العراق والزج بهم في السجون دون جرم اقترفوه أو ذنب يستحقون عليه العقاب وكل هذا أيضا والعالم في صمت مطبق حيث لا مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة ولا الجامعة العربية ولا منظمات حقوق الانسان ولم يجد الكورد الا الله ليشكو اليه ما حل بهم وبعد الوصول إلى ايران بدأت رحلة اخرى من العذاب والقهر، ووجد الكورد انفسهم اول الأمر في مخيمات تفتقر إلى ابسط مقومات العيش الكريم واصبحت المساعدات التي تأتي إليهم توزع وكأنها صدقات ووجد الذين كانوا بالأمس تجارا ويعيشون برفاهية أنفسهم اصبحوا معدمين توزع عليهم صدقات ونظرا لعزة النفس التي يملكونها لم يرضوا لانفسهم الا ان يعيشوا بكرامة فبدأوا بالعمل وشق الطريق في حياتهم الجديدة من الصفر ووصل الكثير منهم إلى مراتب عليا بفضل جهدهم واجتهادهم ولم يدعوا الظلم والجور أن يقهرهم بل أعطوا العالم درساً يحق لكل إنسان شريف ان يفخر به.

 

 والأجمل من كل ذلك انهم لم ينسوا في يوم من الأيام انهم كورد وانهم عراقيون بل كانت كل قطرة دم في أجسادهم تهتف وتصرخ في وجه العالم بأننا أمة لو جهنم صبت عليها لم تنس لغتها الكوردية بل أصروا على إزالة آثار التعريب فيها وازداد تعلقهم بأرضهم ولم يستسلموا لليأس الذي أراد الظلام ان يوصلوهم إليه عندما حرموهم من حق المواطنة فلا هم عراقيون ولا ايرانيون، وعرفوا بأنهم سيعودون يوما الى ارض الأباء والاجداد الى حضن دجلة والفرات وعندما تحقق الحلم وسقط الطاغية واستبشر الناس لم يستطع الكوردي الفيلي ان يفرح إذ أن أول الأخبار الحزينة من الوطن جاءت لتقول لهم ان عشرة الاف من خيرة شبابكم قد استشهدوا وبطريقة لم تمارس من قبل في التاريخ إذ كان هؤلاء الشباب حقولا للتجارب الكيماوية لزمرة البعث ودفنوا أحياء في صحارى العراق بعد كتب علماء العراق نتائج الاختبارات. ليت شعري من يدلنا على تلك النتائج لنقرأ كيف تعذب شباب الكورد؟ وكيف احترقت اجساد شبابنا؟ ومن يدلنا على أسماء الذين شاركوا في تلك الجريمة؟ ومن يدلنا على أسماء أولئك العلماء الذين باعوا شرفهم للطاغية وشاركوا في تلك الجريمة؟.

 

ومع كل ما جرى فالكورد الفيليون لم يهنوا ولم ييأسوا وبل كانوا مصرين على التسامي فوق الجرح وكانوا متيقنين بأن حقوقهم محفوظة في العراق الجديد وبأن من سكت على ما لحق بهم سيتكلم وسينصفهم ولكن وللأسف الشديد تذكر الناس كل المظالم ونسوا الكورد الفيلية تكلموا عن كل الحقوق ونسوا حقوق الكورد الفيلية وحتى مجلس الحكم الذي كان من المفروض عليه ان يرد الاعتبار لهؤلاء الناس الذين سلب منهم صدام حق المواطنة لم يقم بواجبه وكان من المفروض ايضا أن يعطى الكورد الفيليون مقعدا في المجلس او ممثلا عنهم ولكن معرفتي بالكورد الفيلية تجعلني على ثقة تامة بان الذين لم يستطع صدام وبكل جبروته ان يركعهم سيأخذون كامل حقوقهم ورغم انف من لا يحب. تحية لكم أيها الأبطال من الكورد الفيلية وتحية لشهدائكم الذين سيبقون مثار فخر واعتزاز لكل كوردي وعراقي وسلام على ارواحهم الطيبة يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون أحياء.

 

Ali_Alarkawazi@hotmail.com

Back