زال نظام التهجير-- فهل زال الخطرعلى الكورد الفيلية ؟

 

محمود الوندي    

 

عند مجيء البعثيون الى سدد الحكم بأنقلابهم الأسود في ( 17 ) تموز 1968 شعروا الخوف من الكورد الفيلية لأنهم أدركوا حجمهم  داخل حركة التحرر الوطنية في العراق وخاصة داخل حركة الكوردية ، وفعلاً كانوا الجزء الفاعل في الجسد السياسي لعموم القضية العراقية ، لأنهم رفضوا سلطة البعثيين الفاشيين ، ونازلوهم في عقر دارهم في بداية حكمهم المشؤوم عام 1968 ، وهناك أمثلة الكثيرة ومنها الشهيد البطل جبار الحلاج كنموذج من تلك الرجال الشجعان ، فكان أحد قادة تنظيم القيادة المركزية ، وكان يقود الكفاح المسلح داخل مدينة بغداد مع رفيقيه الشهيدين نصرالدين مجيد وزوران عزيز بشتوان (وجميعهم من مدينة خانقين) ضدالبعثيين منذ مجئهم للسلطة ، وألقت القبض على جبار الحلاج في نهاية الستينات من قرن الماضي وتعرض الى أشد أنواع التعذيب من قبل جلادين البعث الدموي إلاأن أستشهدعلى أيديهم وثرم جسمه الطاهر في مفرمة (مثرمة) ، وأما الشهيد نصرالدين مجيد لقد أغتيل من قبل جلاوزة البعث داخل مدينة بغداد في بداية السبعينات والشهيد زوران عزيز بشتوان ألتحق بصفوف الثورة الكوردية التحررية وأستشهد على قمم جبال كوردستان العراق ، وفي عام 1974 قامت الشهيدة ليلى قاسم (وهي من مدينة خانقين) بمقاومة الطاغية صدام وحزبه الدموي داخل مدينة بغداد بعد أنهيار أتفاقية (11 ) أذار مع مجموعة من رفاقها متحديتاً أولئك الجبناء ولقد ألقي قبض عليها وأعدمت ، وبالأضافة الى عشرات الشهداء الذين أستشهدوا في السجون النظام البعث تحت التعذيب ولم تمكن جلاوزة النظام من أخذ الأعترافات منهم  حتى ولو حرفاً من أسماء تنظيم داخلي ، وبقوا صامدين وأقوياء بوجه اولئك الحثالات ، ومن تلك أسماء الشهداء كل من مجيد سيد كريم  ويوسف حسين وسيروان حسن الدلوي ومحمد أسد وعبدالوهاب قادر وغيرهم ، ومن ضحاياهم اولئك الذين سوقوا الى ساحات الحرب في قادسيتهم المشؤومة كل من عبد الكريم شكر وطارق حكمت وماجد حسين وماجد شاكر وسمير جبار بعد أن وضعوا متعمداً في مقدمة جبهة الحرب وعلى ساتر الأمامي في تلك الحرب القذرة لمواجهة جيش إيراني ، وفي نهاية السبعينات قام الملازم جوامير مندلاوي مع مجموعة من رفاقه الأبطال الذين وهبوا أرواحهم من أجل الشعب والوطن ، وقاموا بتنفيذ حكم القصاص العادل بحق رموزالبعث الشوفيني ومنهم المجرم عثمان محمد فائق { الكوردي } المنتسب الى حزب البعث في عام 1956 وهو بالمناسبة أول من قرأ بيان انقلاب 17 تموز1968 عبر تلفزيون بغداد ، وقد قتل غير مؤسف عليه أمام دائرته { دائرة دار التضامن في ساحة خلاني في بغداد }، وأستشهدوا جميعاً في مديرية الأمن العامة تحت التعذيب بعد ألقاء القبض عليهم ، بأضافة الى عشرات ومئات من الشهداء الكورد الفيلية  الذين أستشهدوا دفاعاً عن الكورد فوق قمم جبال كوردستان هذه نبذة مختصرة عن مناضلين الكورد الفيلية ، وإذا أردنا ذكر المزيد فالقائمة تطول .

 

لذلك أقترف صدام حسين وحزبه الدموي بحق أبناء العراق الأصلاء من الكورد الفيلية الغيارة أبشع الجرائم والتمييز العنصري والتطهيرالعرقي في بداية السبعينات من القرن الماضي ، وقد بلغت المأسي والويلات ذروتها في بداية الثمانينات عند أفتعال حكومة صدام أزمتها مع إيران ، حيث تعرض الكورد الفيلية لأشرس هجمة بربرية من قبل النظام البائد بحجة التبعية المزعومة ، وأطلق طاغية العراق عنان أجهزته الأمنية والحزبية  للمداهمة البيوت وأخراج العوائل الكورد الفيلية العزل من بيوتهم بملابس النوم (كانت تحدث هذه المداهمات غالباً أثناء الليل) ، وأعتقال مئات منهم في أماكن عملهم أثناء النهار، وحشدهم في السجون التي هيأت لهم تمهيداً لتسفيرهم، وكانوا يتعرضون الى أشتى أنواع التعذيب والأهانات من شتائم وضرب من قبل الحثالات التابعة لأجهزة الأمنية العراقية (أنذاك) ، وسيطر البعثيون على دورهم وأملاكهم في بغداد ومدن أخرى ، ومستمسكاتهم الرسمية التي تثبت عراقيتهم ، وأعدم بدون ذنب شبابهم من سن (15) سنة ولغاية الأربعين وربما أكبر، وكانت بينهم العميان والمعوقين والنساء الحوامل ، وبعد ذلك تم  رمي العوائل في المناطق الحدودية المتاخمة لأيران ، وإرغامهم على عبورالأراض الحرام وحقول الألغام، ولقد مات كثير منهم أثناء العبور بسبب أنفجار الألغام الأرضية ، وقسوة الظروف المناخية في تلك الأيام  .

 

لقد أستبشرالكوردالفيلية بسقوط النظام البعث كبقية أطياف الشعب العراقي وعقدت أمالهم لأقامة دولة الدستوروالنظام الديمقراطي وإرساءالعدالة الأجتماعية التي تعيد لهم كامل حقوقهم وعلى رأسها حقهم في المواطنة ، وأستعادة مستمسكات الرسمية لهم ، واملاكهم التي سلبت منهم أيام حكم البعث، ومساعدتهم في العودة الى الوطن ومناطق سكناهم الأصلية ، بعد أن عاشوا حياة الغربة في العديد من بلدان العالم وخاصة في إيران ، ولكن خيبة أمالهم رغم سقوط النظام الطاغية وحكمه البغيض  وللأسف الشديد لم يحصلوا لحد هذه اللحظة على أي شيء من حقوقهم المشروعة ،فسحقاً للعراق الذي لا يحترم حقوق الكورد الفيلية وهم من بناة العراق قبل هولاء الحكام الذين يحكمننا الآن وأولئك الحكام الذين كانوا يحكومننا سابقاً وأسبقاً .

 

كان المفروض للنظام الجديد وحكومته من تقديم الخدمات اللا زمة للكورد الفيلية  ، وتعويضهم عن الأضرار المادية والأنسانية التي تعرضوا لها وضمان حقوقهم كأي مواطن عراقي ، وتشجيع أصحاب رؤوس الأموال منهم للأستثمار التجاري والصناعي في العراق ، حيث معروف لدى الشعب العراقي عن عقلية التجارية والصناعية عند الكورد الفيلية ، لأنهم تركوا بصماتهم واضحة في سوق الشورجة التجارية في قلب العاصمة العراقية ، وكذلك معلوم لدى جميع أن الكورد الفيلية هم أسسواغرفة تجارة في بغداد { ولو تحولت هذه الغرفة الى فخ لجمعهم وسلب أموالهم ، وأنتزاع كل ما يشيرالى عراقيتهم } ، وعلى الحكومة العراقية أيضاً أن تزيل الخطر على الكورد الفيلية في العراق الجديد وتعيد النظر في حقوقهم ومشاكلهم ،  ومعالجة  كل الملفات القانونية العالقة ، لكي تعيش بسلام وأمان وأطمئنان  في العراق الجديد ، ولكن شيء من هذا القبيل لم ينجز في هذا العراق لحد الآن – ونحن من حقنا أن نسأل هذا المتشبذ بكرسي الحكم بكلتا يديه – لماذا ؟