تأسيس مكتب عمل كوردستاني لاستيعاب شباب الفيلية مهمة قومية نبيلة - صفوت جلال الجباري

[02-08-2006]

ان الانتصارات الباهرة التي حققتها حكومة اقليم كوردستان وخاصة بعد توحيد الادارتين (السليمانية واربيل), والشروع بنهضة اعمارية واستثمارية لم تشهد لها كوردستان في تأريخها الحديث , مما يتطلب قبل كل شئ تأمين الايدي العاملة التي ستساهم بتنفيذ هذه المشاريع العملاقة ,وكما هو معروف ان كوردستان تعاني من شحة الايدي العاملة,وهو مؤشر ايجابي بالمقارنة مع باقي ارجاء العراق التي تشهد ركودا اقتصاديا وبطالة كبيرة, الامر الذي ادى الى تدفق الألاف من الايدي العاملة من الوسط والجنوب العراقي اضافة الى دول الجوار(ايران وتركيا) الى كوردستان ,ان الواجب القومي بل والانساني يفرض على القائمين على ادارة حكومة كوردستان ان يأخذوا في الحسبان ان اخوتنا من الكورد الفيلية والذين يعيشون في الوسط والجنوب العراقي هم الاحوج الى العمل من غيرهم بالنظر لما تعرضوا اليه من حملات الترحيل والانفال وحجز الاموال المنقولة وغير المنقولة ضمن سياسة بعثية شوفينية ظالمة استهدفتهم ولا زالوا يعانوا من تبعاتها وآثارها المدمرة ليومنا هذا , وبالتالي فان مهمة ايجاد فرص عمل وتشغيل عشرات الألاف من كوردنا الفيلية في بغداد والمحافظات الجنوبية ياتي بتقديري في المقام الاول بالنسبة لحكومة اقليم كوردستان باعتبارها الممثلة الشرعية لشعب كوردستان, ان تجاوزالصعوبات البالغة التي يلاقيها قومنا هناك من الناحية الاقتصاديةاضافة الى التهديدات الارهابية اليومية وكذلك سوء الاستغلال السياسي من قبل اطراف معروفة تريد سلخهم من هويتهم القومية بذرائع ومرامي شتى, يتطلب من الكورد وقياداتها السياسية وحكومتها الاقليمية ايلاء الاهتمام البالغ والجدي بهذا الاتجاه ,على الاقل للتخفيف من الازمة الخانقة التي يعانيها كوردنا هناك, وهم بالتأكيد يستحقون كل دعم ومساندة اكثر من غيرهم , وكما يقول المثل المعروف ( انما المقربون اولى بالمعروف) علما بان معاضدة بني القوم والاشقاء في المحن ليس معروفا بقدر ما هو واجب قومي وانساني مقدس .


ان ما تعانيه الشريحة الفيلية في الداخل من العائدين من ايران او هؤلاء القلة التي بقت في العراق و اسعفهم الحظ النجاة من طوق التهجير والتصفية لهو امر مأساوي حقا, فالبطالة المتفشية في الوسط والجنوب بشكل عام والتي تلقي بظلالها القاتمة على ابناء الشريحة الفيلية في المقام الاول و التي في غالبيتها قد فقدت مصادر عيشها ورزقها ولازال من كان يملك عقارا او محلا تجاريا يرتزق منه, يبحث في دهاليز الدوائر الحكومية عن حقه المهدور دون اية حلول او نتائج ملموسة ومنظورة ,بالنظر لتفشي البيروقراطية والفساد الاداري وبقاء نفس النفس الشوفيني البعثي في الكثير من هذه الدوائر والقائمين على ادارتها..... ... وفي خضم هذه المعاناة اليومية والمستمرة برزت ظاهرة خطيرة بين صفوف كوردنا الفيلية ,الا وهي الارتزاق السياسي وتحت طائلة وضغوطات الحياة اليومية الشاقة و الحاجة المادية لتأمين ابسط سبل العيش, اضطر الكثيرون ورغما عن ارادتهم الى الانظمام الى هذه المنظمة او تلك او هذا الحزب السياسي وذاك من اجل عشرات الدولارات كراتب شهري قد تعين رب العائلة او ابناءها اليافعين على تأمين كفاف العيش......وطبيعي ان تتلقف التنظيمات الدينية التي ملأت الساحة السياسية العراقية هؤلاء الشباب مدغدغة عواطفها المذهبية( التي طالما افتخرت بها هذه الشريحة ) لتوجيهها للوجهة التي ترغب وتريد وادت المتغيرات السياسية والتأريخية وظروف الاغتراب عن الوطن بدفعها اكثر فاكثر الى احضان هذه القوى التي تحاول جهدها التركيز على الجانب المذهبي من محنة الكورد الفيلية حتى تنسيهم اصل مشكلتهم التي كانت بسبب انتماءهم القومي ككورد يعيشون خارج حدود كوردستان الجغرافية, وتظهر لهم بانها هي المدافعة والحاضنة لهده الشريحة وليس شعب كوردستان وقياداتها السياسية.
ان الحركة العمرانية التي تشهدها كوردستان , والتي اصبحت من الضخامة والتوسع بحيث ان الألاف من العمال عراقيين واجانب يعملون الان في كوردستان , وهنالك المزيد من المشاريع الجديدة التي تعلن عنها يوميا في وسائل الاعلام والتي تتطلب بدورها المزيد من الايدي العاملة,واصبحت ندرة الايدي العاملة حديث المجالس ورجال الاعمال في كوردستان ..... ونحن امام هذا الوضع وفي الوقت الذي نفتخر به ككورد بعد كل السنين العجاف التي عاشتها شعب كوردستان و حيث ان كوردستاان المدمرة والمهملة لعقود من الزمن يتطلب فعلا هكذا حركة عمرانية لتعويض اهل المنطقة من كل ما عانوه سابقا على ايدي مختلف الانظمة التي تتالت على دست الحكم في العراق , فان المنطق السياسي والحس القومي الاصيل يدعونا ان نفكر جديا بهذا الامر حيث ان كوردنا الفيلية هم اولى من غيرهم في العمل في (كوردستانهم) والاندماج في المجتمع الكوردي و التي من شأنه بالنتيجة معالجة الكثير من المشاكل التي تعانيها هذه الشريحة المظلومة , ومنها على الاقل التقرب والعيش في كنف الشعب الام والوطن الام حتى يشعر الكوردي الفيلي وباعتزاز انه جزء من هذا الشعب الاصيل ويعيد التواصل الحضاري والثقافي والروحي مع الشعب الذي انجبه وانجب اجداده , وينهل من منهله الفكري والثقافي والاجتماعي , ويكون حتى لو عاد الى بغداد او اية مدينة اخرى في الوسط او الجنوب العراقي مستقبلا قد مر بتجربة سياسية قومية حضارية فريدة زادته التصاقا بشعبه , لغة وتقاليدا وتراثا , اضافة الى الفائدة المادية التي هو احوج اليها من غيره ويكون ايضا قد تفاعل وجدانيا مع الوطن الذي بناه و يدا بيد مع ابناء قومه وطنه كوردستان.....لا سيما ان الفرد الفيلي يشعر ببهجة كبيرة حينما يتحدث عن كوردستان ناهيك العيش فيه والعمل من اجل دفع مسيرته التنموية في هذا الظرف الحساس من تاريخ شعبنا المناضل........اتذكر جيدا حينما توجهنا كشباب كورد في ربيع عام 1974 مع اخوتنا من الشباب الكوردي الفيلي, وبعد تأزم الاوضاع مع حكومة البعث, للالتحاق بالثورة الكوردية , وكان اغلب الشباب الملتحقين من الطلاب في جامعات وثانويات بغداد والكوت والحلة من الشباب الفيلي المتحمس,وكنت معهم ضمن تنظيمات فرع بغداد لاتحاد طلبة كوردستان, حينما توجهنا عن طريق اربيل _ شقلاوة الى قرية (باقوبان ) واستقبلنا اهالي القرية وقوات البيشمركة الكوردية بالعناق والتكريم والحفاوة (وكان البعض منهم يغمز بان هؤلاء الشباب الذين تربوا في بغداد على حياة المدن سوف لن يكون بمقدورهم مجابهة ظروف القتال الصعبة , والعيش في الجبال والوهاد والكهوف , ولكن اصرار هؤلاء الشباب على المضي في المسيرة النضالية جعل نفس هؤلاء الذين شككوا في مقدرتهم ان يبدوا منتهى الاعجاب بهم وباخلاصهم وتفانيهم من اجل كوردستا ن, وكنت الاحظ ايضا باي شوق واندفاع كان هؤلاء الشباب الذين تركوا مقاعد دراستهم واهاليهم وعيشهم الرغيد في بغداد ينظرون الى جبال ووديان كوردستان بشئ من الاستغراب الممزوج بالفخر والكبرياء, ويقولون نحن جئنا الى كوردستان و نريد ان نموت من اجل كوردستان وارض كوردستان , وفعلا وبعد ايام قلائل انخرط اغلب هؤلاء الشباب في قوات بيشمركة كوردستان وبدؤا التدريب الشاق على السلاح وخاصة المدفعية وقاذفات( ب10) المضاد للدروع, وابلو باءا حسنا في كل المعارك البطولية التي خاضوها, ولا زال الباقيين منهم على قيد الحياة يروون بكل اعتزاز ذكريات و حيثيات تلكم الايام الخوالد....
واليوم وبعد مرور اكثر من ربع قرن فان على قيادة الحركة الكوردية ان تفتح ذراعها للشباب الفيلي وقت السلم والاعمار والازدهار مرة اخرى كما فتحتها لهم وقت الحرب والنضال الثوري الدامي, ليتسنى لها المشاركة جنبا الى جنب مع اخوته الكورد في بناء واعمار كوردستان,انها الفرصة المؤاتية للقيادات الكوردية ان تثبت مرة اخرى انها الممثلة الحقيقية للكورد .... كل الكورد بغض النظر عن كونهم يسكنون في كوردستان او خارجه ,وخلال مشاركتي في مؤتمر اربيل والاجتماع مع السادة رئيس واعضاء برلمان كوردستان , طرحت وبالحاح شديد ضرورة تشكيل كتلة برلمانية في برلمان كوردستان تأخذ على عاتقها معالجة شؤون الكورد خارج حدود اقليم كوردستان وبالاخص الشريحة الفيلية وطلبت ايجاد الأليات القانونية لذلك حتى لا تبدو مستقبلا المواقف الدفاعية والواجبات القومية لحكومة اقليم كوردستان تجاه الكورد خارج الاقليم وكأنها تدخل و تداخل بينها وبين مهام وواجبات الحكومة الفيدرالية في بغداد.......
ان فكرة تأسيس مكتب عمل لحكومة اقليم كوردستان في بغداد والمدن الجنوبية من العراق لهي فكرة بسيطة وواقعية واكثر من ضرورية ايضا ..... بحيث يقوم فرع هذا المكتب في كوردستان بتبيان واحصاء احتياجات المشاريع الحكومية والخاصة في كوردستان من الايدي العاملة كما ونوعا ...... وبالمقابل يقوم ممثلي هذا المكتب في الوسط والجنوب بتسجيل الراغبين من الكورد الفيلية للعمل في كوردستان بتسجيل اسماءهم وابرام عقود العمل بشكل قانوني وتسهيل مهمتهم من ناحية تأمين السفر والتوزيع على مختلف مدن كوردستان والسعي لتهيئة محلات السكن .... الخ , ومن خلال اتصالاتي الشخصية مؤخرا بالاخوة من القيادات الكوردية الفيلية في بغداد, فقد ابدوا حماسهم و رغبتهم الشديدة للتعاون مع حكومة اقليم كوردستان لتجد هذه الفكرة طريقها الى التنفيذ, وبينوا الحاجة الماسة لمثل هكذا اجراء في هذا الظرف بالذات بالنسبة للشريحة الفيلية في بغداد والمحافظات ....

ان الابعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية لمثل هذا الاجراء سينعكس بشكل مباشر وسريع في تقوية اللحمة القومية لشعب كوردستان بمختلف شرائحه , ويزيل الى حد كبير الشعور المتنامي لدى الشريحة الفيلية بانها مهمشة ومرغوبة فقط في الضراء ومهملة في السراء, ويبرهن ايضاعلى مصداقية القيادات الكوردية في الاستمرار في تبني النهج القومي الكوردي(الكوردايه تي) وكا كانت في السابق , اضافة الى السعي الجاد لرفع جزء من المعانات اليومية البالغة الصعوبة لكوردنا الفيلية, والارتقاء بالمستوى المعيشي لألاف العوائل الكوردية الفيلية في بغداد والمحافظات الجنوبية الى مستويات معقولة,والحفاظ على هذه الشريحة من الضياع في غياهب الافكار والممارسات الطائفية التي اكثرها غير بريئة وتستهدف الكورد كشعب ,اضافة الى متطلبات الامن القومي الكوردستاني , فيما يخص المخاوف الجدية التي بات يخالج الكثيرين من الكورد في المستقبل الديموغرافي لكوردستان والخطر الذي سيشكله الكثرة من الوافدين الى كوردستان (من داخل العراق او من دول الجوار الجغرافي) عليه, ومدى صدق نوايا ومرامي الذين تدفقوا على كوردستان وبالآلاف بحجة العمل والارتزاق و الذين قد يكونون بشكل او بآخرعاملا مهددا لأمن وسلامة التجربة الكوردستانية الرائدة والتي يرنو اليها الكثيرون من دول الجوار بالغيرة والحسد .

صفوت جلال الجباري

safwatjalal@hotmail.com