( الفيليّون أكراد , رغم أنف الجهلة ومسؤولي " الغفلة " )

 

بقلم / فؤاد جواد

الولايات المتحدة الأمريكية

 

يقول المثل العامي : إن لم تستحِ , فافعل ما شئت . ولعل من المناسب أن أضيف عليه (وقل ما شئت)

كما قال أحد الشعراء بهذه المناسبة أيضاً :

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة         وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

كما سئل الفيلسوف الكبير (بزر جمهر) قديما :-ً

ما أسترُ شيء للفتى؟

فأجاب : عقل

قيل له:  فإن لم يكن له عقل؟

قال : فمال

قيل: فإن لم يكن له مال؟

قال: فإخوانٌ يعبِّرون عنه

قيل:  فإن لم يكن له إخوانٌ يعبِّرون عنه؟

قال: فليجلس صامتاً ... أي ( ينجب ويسكت )

في الواقع لقد حرت في إيجاد وصف مناسب يليق بأولئك النفر الذي ألقت بهم المقادير الفلكية في موقع خطير

ليرسموا من فوقه خارطة عراق المستقبل ثم ليتحكموا من خلاله بمصائر مكوِّنات الشعب العراقي بمن فيهم أنبل شريحة عرفتها الأرض العراقية منذ عهد جدِّهم "جلجامش"  ولحد الآن , ألا وهم " الأكراد الفيلية " الذين سبق ونشرت بحقهم مقالاتٍ عدَّة لعلَّ أصدقها نبوءةً , مقالتي:-

 "الفيليّون أيتام في مأدبة اللِّئام"  وقصيدة :-  " ماذا جرى في موطني " 

بعد أن وجدت جوعى المناصب والإنتهازيين والوصوليين والنفعيين , ناهيك عن القتلة واللصوص ورجال كل العصور , يتكالبون ويتسابقون وراء المناصب الشاغرة بعد سقوط نظام الطاغية المجرم الذي كان السبب الرئيس

وراء كل هذه الفوضى الضاربة بأسافينها أعماق هذه التربة النقيَّة الطيِّبة , مع الأسف.

 

ومع بالغ إحترامي للسادة المسؤلين الأفاضل الذين يشرِّفون كراسيهم بجدارة وإستحقاق , إلاّ أنني لا أستطيع إخفاء

عجبي لهذا النفر المنفر بجهله لما لايخفى على الكافة , أو الحاقد المغرض على أنبل شريحة إجتماعية كردية , أصيلة العراقة . ذلك أن عجبي وإستغرابي وتساؤلي , ياتُرى

 كيف تسنّى لهم التسلُّق ليتبووَّأ هذه المهمَّة التاريخية الحطيرة , وليتحكَّموا , بعد ذلك ,َ بمصير ومقدِّرات هذا البلد المبتلى بين الحين والآخر بنماذج محيِّرة تستعصي على الوصف والتحليل لشدَّة غرابتها ووعورة طواياها النفسية .

كلُّ شيء كان بالإمكان توقُّعُ صدوره من أمثال هؤلاء إلاّ أن يصنِّفوا الكرد الفيليين على أنهم من القومية الفارسيَّة .

لأن ذلك "التصنيف" لايدل إلا على أحد أمرين :-

أما جهل مطبق بمكوِّنات الشعب العراقي وشرائحه الأصيلة , وهذا أمر بعيد الإحتمال لتعارضه مع المسؤلية التاريخية

الخطيرة جدا الموكلة إليهم.

وأما حقد أعمى يعتور نفوساً مريضة , يروق لها ويشفي غليلها التعرُّض لشريحة كرديَّة أصيلة بقصد بترها

وإستئصالها من جذورها الطبيعية ونقلها الى تربة غريبة عنها , علّه بهذا العمل يكون بوسعه القضاء على البقية الباقية من عملية الإبادة الجماعية التي باشرها سيِّدهم الساقط صدام حسين بحق الأكراد عامة وبالتالي يتسنّى لهم تقطيع أوصال الأمة الكردية وبتر جزء عزيز منها, ومن ثمَّ إعطاء الدولة الإيرانية التي تمثل الأمة الفارسية أساساً ذريعة قانونية حيَّة للمطالبة غداً بحقوقها في الأقاليم التي كانت تقطنها غالبية كردية فيلية , في محاظات:

 . ديالى وواسط وميسان , باعتبارهم جزءاً من الأمة الفارسية , وإستناداً للقاعدة القانونية في الإثبات :

" الإقرار سيِّدُ الأدلَّة " ... ومن فمك أدينك ...

كم أتمنى لو كان يعلم هؤلاء بأن واحدا منً أربع شخصيات عراقية محترمة إستمزجت الإدارة الأمريكية رأيها فيما

يصلح أن يكون عليه مستقبل العراق , والنظام السياسي الأمثل له , و عن الأيدي الأمينة التي تستحق تسلم الحكم بعد زوال نظام الطاغية , كان من الأكراد الفيلية , وقد عهد إليه إجابة ممثل الإدارة الأمريكية , حيث قال :-

أن الضرورة  وتجارب الماضي تقتضيان  تسليم الحكم لهيئة تمثل أطياف الشعب العراقي كافة , دونما تمييز أو تفضيل , وليس لفرد قد ينفرد بالحكم ويتحول الى دكتاتور جديد , وكأننا يابدر لا رحنة ولا جينة ,

هيئة تتولفر لديها جميع الصفات الطيبة المطلوبة في القادة ...

هيئة لا يوجد بينهم بعثي واحد . ومنتقاة برويَّةٍ وحيدةٍ ونزاهة . هيئة عالية الثقافة

ناصعة الصفحات ,  شديدة الإخلاص للوطن , عُرِفت بتضحياتها الجسام ,  ومترفِّعة عن التفرقة والتمييز العنصري والطائفي والديني , ترجع الى الشعب لأخذ رأيه في القضايا المصيرية .

ولم يلمِّح أحد من هؤلاء الأربعة المحترمين يوماً بأنه يرنو لتسنُّم أجد المناصب الرفيعة العليا في العراق رغم أن ذلك المطلب اليسير على الحكومة الأمريكية آنذاك  كان منهم قاب قوسين أو أدنى , إلا أنهم آثروا بناء الأسس التاينة لحكم

دستوري ديمقراطي تعددي فيدرالي حر , يستند للإرادة الحرة للشعب العراقي , وقائم على مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية , مع التركيز على مبدأ إستقلال القضاء , وضمان توفير الحقوق والحريّات الأساسية  للمواطنين , أسوة ي  بمواطني أرقى الدول الديمقراطية في العالم , كما أقرتها لائحة حقوق الإنسان لهيئة الأمم المتحدة والمواثيق الدولية , و تطبيقً مبدأ :

جميع الأفراد متساوون أمام القانون , وضمان الحقوق الأساسية للمرأة ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات .

  . حدث ذلك قبل الإطاحة بالحكم البائد بفترة قصيرة , ولم يفكِّر أحدٌ من أولئك الأربعة , قطُّ , بالتلويح برغبته في تسلُّم السلطة أو الإشتراك فيها بأي شكل من الأشكال .

إيماناً منهم بأن طالب الولاية لا يُولّى , وبأن المنصب الحكومي , تكليفٌ من الشعب , وليس تشريفاً , كما يتصوَّرُه البعض من قصار النظر , مع الأسف .

وأستميح القارئ الكريم العذر عن عدم ذكري لأسماء أولئك الجنود المجهولين في المهجر الذين أنكروا ذواتهم ,

وقدّموا إستشاراتهم لأصحاب الحل والعقد في رسم الصورة اامضيئة لمستقبل العراق , بيد أن المزايدات العلنية والسرية والروح الإنتهازية لبعض العناصر التي أستغلت الظروف المضطربة في العراق بعد تقويض نظام الطاغية قد أفسدت وعصفت بالكثير من الآمال التي كانت معقودة على جهود الصفوة الخيِّرة من  أبناء الشعب العراقي النبيل .

ما ذكرته ليس إلاّ غيض من فيض  بحق الأكراد الفيلية , وبعض شخصيّاتهم المعروفة بالإخلاص والتضحية والوفاء والولاء لتربة الوطن ,  فضلاً عن التجرد والإيثار ونكران الذات وروح السلم والعفة في التعامل مع الخصوم والتحلي بصفات الفروسية في مواجهتهم .

وهذه  الخصال والخلال الكريمة هي طابع الغالبية العظمى من صفات الأكراد الفيلية , إنها أصيلة وأصليّة .

وجُلُّهم يعرف جيِّداً , بأن الحقَّ يؤخذ ولا يُعطى بل ولا يُستجدى .

كما قال الشاعر أبو القاسم الشابي :

وما نيل المطالب بالتمني  ...... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وفي رأيي بأن أهم الخطوات الأوّليّة لنيل الأكراد الفيلية لحقوقهم  :-

التصرف بأنهم أكراد أولا وأخيرا , وبأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة الكردية , إضافة لكونهم مواطنين عراقيين.

 الكفاح الجاد المتواصل في سبيل  إعادة المهجَّرين والمسفرين من الخارج الى ربوع الوطن ولمِّ الشمل

وحدة الصف والكلمة والإنضواء تحت راية واحدة فقط والإستفادة  من تجارب الماضي المريرة .

التكافل والتضامن بين الجميع معززان  بالدعم المادي والمعنوي .

الإبتعاد قدر المستطاع عن المحسوبية والمنسوبية والإنبهار بالشعارات المزيَّفة في إختيار القادة والمسؤلين

والعمل على إختيار الأغزر علماً والأسمى خُلُقاً والأكبر سناً والأغنى تجربة والأحرص على المصلحة العامة

من الآخرين , والأقوى شخصية , والأكثر شجاعة وجرأة وإقداما . 

بناء كيان ذاتي مثالي متميِّز لإعطاء الصورة الحقيقية الناصعة المؤثرة على جميع الأصعدة عن هذه الشريحة

العمل والنضال العقلاني والعلمي المنظم المدروس , و بالطرق السلمية .

إيصال جميع الأصوات صوتاً واحداً مدوِّياً ومجلجلاً ليهزَّ أسماع العالم ويفضح المتلاعبين بمصائر الأمم والشعوب

ومقدراتها. وإستخدام جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية لهذا الغرض النبيل وبالطرق المهذبة التي عُرِفَ بها

الأكراد منذ فجر التاريخ ولحد الآن .

وعندئذٍ فقط يكون للأكراد شأن عظيم يحظى بتقدير وإحترام العالم , وبالتالي قوَّة مؤثِّرة في توجيه دفة التاريخ

نحو شواطئ الأمن والسلام والمصلحة العامة للإنسانية جمعاء ,

بمن فيهم " الأكراد " .....

 

فؤاد جواد

الولايات المتحدة الأمريكية

fuadjawad@aol.com