الفيليون في المجتمع العراقي

Jan 20, 2005
بقلم: هادي فريد التكريتي

بنفس هذا العنوان قرأت للكاتب د. برهان شاوي على صفحة عراق الغد، وتعقيبا على ما كتب أقول : بدء علي القول أن السيد شاوي ليوم 1812005 قد أضاف الى معلوماتي عن هذه القومية بعض ما كنت أجهل ، خصوصا عن بعض الشخصيات التي ذكرها، إلا اني لي بعض ملاحظات ربما تغني ما ذهب اليه الكاتب وتصحح في بعضها ما التبس عليه…آمل أن أوفق في توضيح ما أريد قوله
يقول الكاتب : إلغاء الهوية القومية للكرد كان جزء من خطاب السلطات العربية، سواءأ كانت عراقية أم عربية في دول أخرى . . ربما الحقيقة هي أن أول من ألغى القوميات كلها، ( ما عدا العربية استنادا الى الحديث النبوي القائل الأئمة من قريش وقريش هم سادة العرب وأشرافها ) وليس القومية الكردية وحدها، هو الإسلام ،فطيلة حكم الخلافة الإسلامية الممتد منذ الدولة الراشدية وحتى نهاية
الخلافة العثمانية ما كان هناك تواجد ظاهر للقوميات ، رغم أن القوميات الكثيرة والمتعددة في الإسلام أفرزت قادة أفذاذا وعلماء فطاحل في مختلف العلوم وفي مختلف الأزمان ، لذلك كان محقا - معن بسيسو - حين قال،وابتد أالكاتب بما قال ، عن صلاح الدين : كرديا كان صلاح الدين ، وانتصروا …أصبح عربيا … فمأساة القوميات ، وربما أغلب القوميات والأجناس ، تاريخها أقدم من العرب، إلا أن ما ميز القوميات في الإسلام عن القوميات في العصر العربي’’ الفاسد ’’ هو أن الإسلام أوجد علاقات إنسانية متوازنة بين القوميات لم يستطع أن يرتقي الى مثلها الحكام القوميون سواء أكان منظرهم ساطع الحصري أم ميشيل عفلق فكلا الأخوين ينهل من معين واحد هو مستنقع العنصرية المقيته والطائفية البغيضة ، ومن هذا المنطلق والمنظور يتأسس الحكم على حزب البعث بأنه فاشي
ومعادي لكل الطوائف والقوميات التي لا تنهج نهجه أو تسير في الخط الذي هو يرتأيه ، ومن هذا المنظلق أيضا - باعتقادي- تم تهجير عرب أقحاح لا شائبة في عروبتهم ، وهجر الكرد الفيلية ،ليس فقط لأنهم شيعة، فالعرب الذين هجرهم، نعم ، هم شيعة إلا إنهم كذلك أحفاد ثور العشرين الذين قاوموا المحتل، رافضين الملك المستورد الذي فرض عليهم دون إرادتهم ،رغم أنه من سلالة آل البيت والمقاومون هم شيعة ومن أتباع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وبالنسبة للكرد الفيلية أيضا لم يكن السبب الوحيد لتهجيرهم كونهم شيعة فقط بل لكونهم قد انخرطوا في العمل السياسي منذ بدء تشكيل، الحزب الشيوعي العراقي، العمود الفقري للحركة الوطنية العراقية ، وللكرد الفيلية كما يقول الكاتب اسهاماتهم الاقتصادية والسياسية والثقافية ، وقد أسهب الكاتب في السرد بهذا الشأن حيث ذكر عددا كبيرا من الشخصيات الفيلية التي كانت لها اسهامات : في الحياة العراقية على اختلاف أنشطتها، ويعزو الكاتب سبب احتضان المجتمع العراقي للكرد الفيلية كونهم من الطائفة الشيعية والحقيقة أن الشعب العراقي بكل قومياته و طوائفه المختلفة ، قبل مجيئ القوميين الى الحكم وخصوصا البعثيين، لم يعرف التفرقة الدينية أو القومية أو المذهبية ، ولم تكن العلاقات آنذاك بين الناس على اساس المذهب أو الدين او القومية إنما كانت تنشأ بينهم وتتوطد علاقات الصداقة والمصاهرة والعمل السياسي والوطني، و من منطلق النزاهة والشرف والوطنية وحب الآخرين ومساعدتهم ، فمحبة الناس للكرد الفيلية لم تكن لكونهم من الطائفة الشيعية كما يقول الكاتب بل لكونهم يعيشون في مجتمع لم تنزرع بين صفوفهم، بعد، خلايا الحقد والكراهية التي جاء بها البعث الفاشي. . ولقد شخص الكاتب بشكل دقيق وواعي الأسباب الحقيقية لمحبة الناس للفيلية ،لكون : الفوارق القومية لم تكن جلية وواضحة ، بل ولكون معظم مثقفيهم - يقصد مثقفي الفيلية - كانوامنتمين للحزب الشيوعي العراقي المعروف بامميته، فان الجانب القومي لديهم كان رخوا رغم ان الثورة الكردية التحررية في كردستان العراق كانت تضم أيضا عناصر قيادية من الكوادرالفيليين …الا أن بروزهم في الحزب الشيوعي العراقي
كان واضحا و ليس سرا أن القائد الشيوعي السابق د. عزيز الحاج فيلي، وأن الكثير من قادة الحزب وعناصره القيادية وشهدائه أمثال ستار خضير ومحمد كريم كانوا من الفيليين. . من هذا المنطلق كان المجتمع العراقي يحتضن ليس الفيلية بل كل الطوائف والقوميات ، ومن هذا المنطلق الوطني أيضا كان الحقد القومي بشكل عام والبعثي بشكل خاص على الشيوعيين والذي أدى بدوره الى اضطهاد الكرد الفيلية وتهجيرهم وقتل شبابهم ومصادرة أملاكهم ، فالبعث الفاشي لم يهجر الفيلية لكونهم شيعة فقط فلو صح هذا لكان التسفير والتهجير ومصادرة الأموال والسجن والقتل عاما وشاملا لكل الفيلية، ألا أن هذا لم يحصل مع البعض الذي كان ولاءهم لحزب البعث.
في الزمن الردئ و انحسار الحركة الوطنية ،يعلو صوت الديماغوغيين والمتاجرين بالدين والطائفية والقومية والعنصرية ، وفقط عندما لا تستطيع الحركة الوطنية أن تقوم بمهامها بنجاح وليس لها القدرة على تحقيق أهدافها، يبدأ التشبث بالأوهام والخرافات ، والا كيف يمكننا أن نفسر بروز الكثير من القادة السياسيين على المسرح السياسي ولسنين طويلة ولا أحد يعرف أو يسأل عن إنتماءاتهم القومية
أو الدينية أو الطائفية والعرقية ، فعزيز الحاج وصل الى مرتبة عليا في الحزب الشيوعي العراقي والكثيرين حتى من أعضاء الحزب الشيوعي لم يعرفوا قوميته وإن عرفوها فلم يعرفوا طائفته، وحتى الكاتب نفسه يجهل الهوية الدينية والطائفية للشهيد ستار خضير القائد الشيوعي والجماهيري المحبوب، والذي طرزت دماؤه الأرض العراقية ،وسال دمه عبقا يروي الأرض التي احتضنت طائفته لآلاف السنين ، هذا المناضل الذي صرعه البعث الفاشي ، في بداية السبعينات برصاصات حاقدة ، لم
يقتل لأنه مندائي بل لأنه شيوعي ، والكاتب إذ يعتبره فيليا فهذه نقطة تسجل لصالحه باعتبار أن الوطنية الصادقة كانت ولم تزل لا تفرق بين مناضل وآخر سواه ، بسبب الدين أو القومية أو المذهب .
كانت وستبقى أرض السواد على اختلاف أجناس ساكنيها ترفد العراق بالمناضلين الذين يلونون الموزائيك العراقي بدمائهم ، ولن يكفوا عن ذلك ، حتى يتحقق الشعار لكل الطوائف التي شكلت الطيف العراقي وطن حر وشعب سعيد الذي سقط ويسقط من أجل تحقيقه العشرات من الشهداء مضرجين بدمائهم القانية أرض الرافدين، أرض كل العراقيين بكل انتماءاتهم العرقية والدينية والمذهبية. . ولن يكون أبدا للحاقدين على أهله …