لماذا لا تعيد الدولة ممتلكات الفيليين واعتبارهم بقرار ؟

صادق المولائي

الأثنين 17/08/2009

هـُجرت العوائل الفيلية الآمنة من بيوتاتها في ليلة ظلماء بعد أن باغتتهم قطعان من الكلاب الجائعة المدربة على القتل والسرقة وكسب المال الحرام وارتكاب الفواحش والجرائم بأنواعها دون سابق إنذار أو منحهم مدة من الزمن ليتسنى لهم تصريف وبيع ما لديهم من مدخرات وأثاث ومفروشات وأراضٍ ومحال وسيارات وبضائع واسترجاع ما لديهم من ديون بأعناق الآخرين ، وجمع كل ما يخصهم من أموال شرعية من كسبهم الحلال كحق طبيعي وشرعي وقانوني يقرهُ العقل والمنطق والأخلاق والضمير والمبادئ والرجولة والقيم والشرائع السماوي والأرضية.

اليوم وبعد سقوط النظام السابق مازالت قضية الفيلي وحقوقه معلقة ومتروكة إلى الزمن ولم تحسم بالشكل المفترض أن تحسم فور سقوط النظام الذي كان رأس الفتنة والسبب .. ولكن العهد الجديد عهد الحرية والديمقراطية والتعددية الذي طالما حلم به العراقي المسكين على مدى زمن طويل وقدم له التضحيات الجسام وأولهم الكورد الفيليين ومواقفهم الوطنية التي يشهد لها التأريخ في الدفاع عن تربة وماء وسماء وأبناء هذا الوطن العزيز ليكتب الولادة لهذا العهد الجديد أملاً ان تتحقق في ظله العدالة والحق والإنصاف ، ولكن للأسف الشديد ركنت قضية الفيليين وحقوقهم الشرعية والمغتصبة جانباً والى يومنا هذا . وكل ما قامت به الحكومة أن كان حياءً أو مجاملة أو بقصد الاستفادة من أصواتهم في الانتخابات هو تشكيل هيئة للبت في النزاعات الملكية والتي على ما تبين إنها قد تستمر قرنين للبت بكل الدعاوى والقضايا المرفوعة لها وعند هذه الهيئة الموقرة كان الفيلي أيضاً هو الضحية الأولى فيها بالرغم من أنه الضحية الرئيسة في القضية منذ زمن النظام السابق . فالحكومة الحالية وعدت الفيلي الذي سـُرق ماله وحلاله من قبل النظام السابق وتصرفت به على شكل عطايا وهدايا لأزلامها وعناصرها مشتكياً على الساكن الحالي للدار، وحشرت الفيلي في مشكلة لا ناقة له بها ولا جمل في حين الأموال الناجمة من بيع الدور والممتلكات التي تمت مصادرتها تحولت جميعها لميزانية الدولة في الوزارة المالية .

لماذا تملصت الدولة من مسؤوليتها بإرجاع الحقوق العامة من المتضررين في زمن النظام السابق في حين لم تتملص أو تتخلَ عن تولي المناصب والمراكز السياسية والإدارية من تركة النظام السابق وتترك المناصب إلى الشعب أو المحاكم للبت فيها ومن يتولاها وأجدر بإدارتها ؟

الحقيقة أن الفيلي لا يـُعد طرفاً مع الساكن الحالي للدار لكونه لم يقم بأجراء بيع أو شراء مع أي طرف ، وإنما يـُعد طرفاً مع الدولة وما على الدولة إلا أن تقوم بإرجاع حقوقه كاملة مع دفع التعويضات الناجمة عن الأضرار التي لحقت به مادياً ومعنوياً وعلى الدولة ان تقوم بحل المشكلة الثانية مع الساكن الجديد للدار المستفيد أولاً لكونه حصل على الدار كهدية أو شراء لرخص ثمنه لكونها من أملاك المهجرين والتي تـُعد مغتصبة في العرف الديني مع علمه بذلك وارتضائه بفعل الحرام على مدى السنوات الطويلة المنصرمة غير انه أصبح مستفيداً لمرة أخرى لأنه سيحظى على تعويض لكون الحكومة الجديدة عدته متضرراً . لا ندري من أين جاءت بهذه الحلول ومن الذي يدفع الحكومة للعمل بها رغم أنها مجحفة بشكل لا غبار عليه وغير عادلة ولا يمكن لصاحب أي ضمير حي أن يتقبل هذا الحل ويعده حلاً عادلاً .

يبدو أن أخلاقيات النظام السابق انتشرت بشكل وباء بين الكثير من الناس وياخوفنا أن تتحول تلك الأفعال إلى شرائع وسنن يفتخر بها البعض كحالات بطولية في ظل صمت رجال الدين والمرجعيات وكأنها من الأمور التي لا علاقة لها بشؤون المسلمين والبشرية ..

كنا ننتظر منهم أولا وقبل غيرهم أن يرفضوا علناً وجهراً ويحثوا المخطئين للعودة إلى رشدهم في محاضراتهم وندواتهم وخطبهم لكونها جريمة ومازال وقعها مستمراً ليومنا هذا ؟

نريد أن نسأل وسنبقى نسأل :

ما ذنب الفيلي حين أخرج من داره قسراً وهجر ظلماً ؟

لماذا سرقت ممتلكاته وأمواله ؟

لماذا أسـُقطت عنه الجنسية العراقية ؟

لماذا تقف الحكومة اليوم موقف المتفرج من هذه المظلومية ؟

لماذا لا تعاد المياه إلى مجاريها الحقيقية ويحاسب المقصرون ؟

لماذا هذا الصمت نحو قضية ومحنة الفيليين ؟

لماذا لا تعاد ممتلكاتهم واعتبارهم بقرار مثلما صـُدرت منهم بقرار؟

كيف يمكن للفيلي هذه المرة أن يشارك في الانتخابات ، والدولة لم تسانده في استرجاع حقوقه المغتصبة ؟

الحلول العادلة كفيلة بدعم الاستقرار والأمن والأمان وديمومة ذلك ، فالإجحاف الذي يعاني منه الفيلي لا يمكن أن يبقى مستمراً من دون ردود أفعال قد تخرج من حدود سيطرة ينجم عنها نتائج سلبية . فبما أنهم جزء من أبناء هذا البلد وقدموا له التضحيات الجسام المادية والمعنوية حفاظاً على مياهه وتربته واستقلاله واستقراره وأمنه وأبنائه لا بد وأن يعاملوا كغيرهم من العراقيين , فمن منا يعلم كيف ستكون السنوات المقبلة على الصعيد العراقي أو المنطقة ، وهل سيبقى ميزان القوى على ما هي عليه الآن ، أم ستكون هناك رياح تغيير أخرى تكون سبباً في تحطيم أشرعة سفن وقوارب للكتل التي تسلمت زمام السلطة وعملت على تغييب الفيليين وعدم رد الاعتبار لهم.

Back