الى الحكومة العراقية المحترمة

الى الرأي العام العالمي

الكورد الفيلية الى أين .. والى متى ؟

 فاضل الفيلي -  استوكهلم

 من البديهي والمعلوم ان غالبية الشعوب التي تعاني من الظلم والقهر والأضظهاد والأستعباد , أنها تناضل وتسعى من اجل الحصول على حقوقها المشروعة والعيش في امن وسلام وحرية , وتامل ذلك اليوم الذي تشرق فيه شمس الحرية ودحر القوى الظالمة التي سلبتها حقها الطبيعي والمشروع في الحياة .

 وكما هو معلوم للجميع ان الظلم على أشكال عدة: فاما ان يكون  اقتصاديا أو سياسيا أو ثقافيا أو عرقيا   .

فلو نظرنا الى الشعوب المضطهدة  , سنرى حتما أنها محرومة من احدى الحقوق المذكورة أعلاه , وشد الخناق عليها  لعرقلة مسيرة حياتها في التقدم والرفاه في مسيرة حياتها , كباقي الشعوب المتقدمة حضاريا .

 فاذا اردنا التمعن في النظر الى الكورد الفيلية , فأننا لا نجد في العالم قط أكثر ظلما واضطهادا كالذي وقع على شريحة واسعة وفاعلة ومناضلة ومتفانية في مجتمع يبتهج بالوانه القزحية الجميلة   والمتكونة من الأطياف المتداخلة والمنسجمة مع بعضها البعض .

 فالظلم وكما قلنا لم ينحصر في الجانب الأقتصادي او السياسي أو الثقافي أو العرقي فحسب , وانما كاملة وبكل مفرداتها التي تشكل جوانب الحياة الأربع , بل ازدادت عليها ظلما وعدوانا , ضاربة كل القيم والمعايير الأخلاقية والأنسانية , بالفعلة الشنيعة والنكراء , المتمثلة بابعادهم ورميهم الى ما وراء الحدود , وسلبهم وتجريدهم من كل ممتلكاتهم وتأريخهم , بالأضافة الى إختطاف وحجز فلذات قلوبهم , وتغييبهم والى الأبد في الزنازين المظلمة .

 ان المعاناة التي بدأت واشتدت في إبعاد جزء كبير من الكورد الفيلية الى ايران , في بداية السبعينات وعلى ايدي عصابات البعث التي استولت على دفة الحكم في العراق , في تموز 1968 , وبمسرحية هزلية , أُقصي فيها عبدالرحمن محمد عارف رئيس الجمهورية العراقية أنذاك , واعلانها استلام السلطة, تلك العصابة المعروفة بجرائمها في الثامن من شباط الأسود , حين اغتالوا ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة 1958 وقيادتها وزعيمها الشهيد عبد الكريم قاسم .

 أما  الضربة الثانية والأقوى التي وجهت الى الكورد الفيلية , فهي في بداية الثمانينات  في ابعاد الغالبية العظمى الى ايران , وعلى عدة مراحل , في وضح النهار وامام اعين الجميع   , وبدون ذرة من شرف او رادع من ضمير وبكل وقاحة , وعلى مرأى ومسمع كل المنضمات الأنسانية والدولية ووسائل الأعلام , التي صمتت وأغمضت أعينها , ولم تنبس ببنت شفة , ولم تحرك ساكنا في ما ارتكبته عصابة البعث الحاكمة ضد الكورد الفيلية  وما عانوه من ظلم وتشريد وضياع , وعدم اعطاء تلك الجريمة الهمجية اية اهمية تذكر .

 وبعد ان اندحرت قوى الشر المتمثلة بتلك الطغمة الفاسدة  التي حكمت بالحديد والنار على رقاب الشعب العراقي طيلة ثلاث عقود مظلمة ونيف , وشن الحروب , وسفك الدماء , وهتك الأعراض , وبث الرعب , وإفشاء الرذيلة , وشراء الذمم , وإباحة دماء الخيرين   وتدنيس كل ما هو مقدس ونهب كل خيرات العراق  , فكان اول من ابتهج فرحا وغبطة , هم الكورد الفيلية الى جانب مكونات الشعب العراقي , ظنّاَ , بل ايمانا منهم , ككل المضطهدين والمحرومين , بأن حقهم الذي سُلِبُ , سيعود لامحالة  وتحقق حلم العودة الى الوطن الحبيب , بعد الأنتظار الطويل , والمعاناة المؤلمة   في محطات الغربة والمنافي , والفرحة كانت كبيرة حين اندحر الطاغية الجرذ وزبانيته الأوغاد , وهذه الفرحة معروفة لدى كل الشعوب المقهورة , والمتطلعة الى غد مشرق.

 ولكن وللأسف الشديد , حصل بالعكس من ذلك !!

فنرى محنة الكورد الفيلية تزداد تعقيدا , يوما بعد يوم , وليست هناك أية بارقة من أمل في رد الأعتبار لهذا المكون المهم من الشعب العراقي , على الرغم من مرور خمسة اعوام على السقوط , وعلى الرغم من جميع الوعود والدستور الجديد الذي يضمن حقوق الشعب في الحياة الحرة الكريمة , بل اصبحت كما أمست , وكما يقول المثل الدارج ( ذاك الطاس و ذاك الحمّام ) وظلت المشكلة تراوح مكانها , فلا حلول دستورية ولا إلتزامات اخلاقية ولا تعاطفا انسانيا .

 انه لأمر غريب ان نَنْسى أو بالأحرى نتناسى معاناة الآلاف من الشهداء والضحايا وعدم الأهتمام بمشاكلهم من قِبَل الحكومة العراقية الموقرة التي لم تعط اي اهتمام لحل مشاكل العراقيين عامة والكورد الفيلية خاصة , ولم نر لحد الآن سوى الأختلاسات والسرقات , بالأضافة الى المحاباة والمحسوبيات والمحاصصة , وبدل ان تقوم برد الأعتبار لضحايا النظام السابق والنظر في مشاكلهم , نرى بالضد من ذلك , حيث اعادة أذناب النظام الى وضائفهم وتعويضهم .

 كل القوى السياسية , علمانية كانت او دينية , فهي تعرف ومتفقة على مدى الظلم الذي وقع على  الكورد الفيلية , وكذلك هي متفقة ايضا على التقصير الواضح بحقهم وعدم تلبية الحد الأدنى من مطالبهم المشروعة , أو الألتزام بما نص عليه الدستور في حقوق المواطنة .

 ومن العوامل الأخرى في ضياع هذه الشريحة الأجتماعية , هو ضعف الفيليين وعدم توحيد كلمتهم , والعلة في ذلك هو ضياعهم بين القومية والمذهبية , التي سببت لهم ازدواجية الهوية والأنتماء , مما ادى الى بعثرة جهودهم وسعيهم وعدم بلورة افكارهم في موقف صريح وواضح , متفق عليه من قِبَل غالبية الكورد الفيلية . إلاّ انه على الرغم من هذه الحالة الصعبة , برزت جهود مثمرة وحقيقية , بذلتها مجموعة من الكرد الفيلية المخلصين لقضيتهم , ونجحوا في إيصال صوتهم الى المحافل الدولية من خلال نشاطاتهم وفعالياتهم في الجمعيات الثقافية والأجتماعية والسياسيه, حيث اسسوا من بعد السقوط عدد من الأحزاب والتكتلات , وعملوا بنية صادقة , وبذلوا كل ما بوسعهم في إنجاز الكثير للكورد الفيلية , ولكن كل هذه الجهود لم تكن بالمستوى المطلوب للأسباب الآنفة الذكر .

 ونتيجة غياب السياسة الواضحة للكورد الفيلية , برزت بعض الأطراف , مُستغِلة الظروف المادية الصعبة  للفيليين , ومن خلال مواقعهم في مؤسسات الدولة , راحت تتاجر  بمأساتهم ومظلوميتهم , فأسسوا لهم جمعيات وتيارات واحزاب تلعب على الوتر المذهبي , للوصول الى غاياتهم ومآربهم , البعيدة كل البعد عن الأهداف الرئيسية , والشعارات الخادعة , والأستفادة من بعض الوجوه الأنتهازية من الكورد الفيليين للتمويه والخداع والتضليل , وكلها ترتبط بهذا التيار المذهبي او ذاك .

ان هذه الواجهات السياسية والتجمعات الأعلامية , هي لا تعبر بالضروة عن توجهات الكورد الفيلية , فالكورد الفيلية هم اكبر من هذه التوجهات الضيقة واكبر من أولائك الذين يتاجرون بمعاناة الآخرين للحصول على منافعهم ونواياهم الشخصية او الفئوية .

 وهنا نناشد كل الشرفاء في الحكومة العراقية بالنظر الى قضية هذه الشريحة والى مظلوميتها واعطائها الأهمية من ضمن كل مخلفات النظام المقبور ورد الأعتبار لهم في اعادة حقوق مواطنتهم كاملة اسوة ببقية افراد المجتمع العراقي   ومكوناته

وتعويضهم كل ما فقدوه وسلبه منهم النظام السابق  والكشف  عن ابنائهم الذين غيبتهم ايادي النظام اللئيمة ومحاكمتهم   والقصاص منهم كبقية الجرائم التي يحاكمون عليها , وكما آن الآوان للكورد الفيليين في ترتيب البيت الفيلي   والتكاتف معا في  المطالبة بحقوقهم المشروعة والعودة الى  عراقهم الحبيب والمساهمة في بناء الغد الأفضل سوية مع كل مكونات الشعب العراقي  .

 

فاضل الفيلي -  استوكهلم

 22/11/2008

 

Back